أصحاح 8-11
الفترة العصيبة التي ستمر على العالـم كله بعد الاختطاف، والتي ستحول العالـم حطاماً. مع تركيز المشهد بالنسبة للزمان على فترة الضيقة العظيمة، وبالنسبة للمكان على العالـم المسيحي الغربي لكن وسط هذه الظروف الصعبة ستكون هناك شهادة للرب!
ص8 : الأبواق الأربعة الأولى .
ص9 : البوق الخامس والسادس أو الويلان الأول والثاني .
ص10 :لا يكون تباطؤ بعد.
ص11 :الشاهدان. والبوق السابع.
في المحاضرة السابقة رأينا الحوادث التي ستحدث بعد اختطاف الكنيسة عند فتح كل واحد من الختوم الستة. أما في أصحاح 8 فنري ما سيحدث عند فتح الختم السابع، إذ «حدث سكوت في السماء نحو نصف ساعة». ففي الختوم الستة السابقة رأينا غضب الناس (قارن الختوم من 2 إلى 6)، أما هنا فغضب الله، ليس مستخدماً الظروف، بل غضبه المباشر. ولعل سكان السماء رأوا هذه الأحداث الرهيبة قبل حدوثها فسكتوا من هول ما رأوا يمكن القول إن الختوم في تأثيرها أوسع مدي ، والأبواق أعمق أثراً. ومجموعة الختوم مميزة عن مجموعة الأبواق؛ الأولى كما مر بنا تمثل النصف الأول من أسبوع الضيق الذي يسمي «مبتدأ الأوجاع»، بينما الأبواق هنا تأخذ فكرنا إلى ما سيحدث في النصف الثاني الذي يسمي «الضيقة العظيمة» قارن متى 24 : 8،21. .
ثم إن الكتاب المقدس يعرفنا أن الله لا يسر بالغضب، وأن الدينونة هي عمله الغريب. لذا جاء السكوت نصف ساعة هنا، فما كان الرب يوما عجولاً في توقيع الدينونة. لكن هذا لا يعني أن الله يتساهل مع الشر. فسنري أنه بعد هذا السكوت ستقع على الأرض حوادث أفظع مما جرت فيما سبق. فكأن هذا السكوت نصف الساعة ليس إلا الهدوء الذي يسبق العاصفة. وأية عاصفة هوجاء تلاشي الزرع والضرع مثل الضيقة العظيمة التي ما كان مثلها على الأرض ولن يكون، والتي قال عنها الرب الصادق إنه «لو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد»(مت24 :22).
«ورأيت السبعة الملائكة الذين يقفون أمام الله وقد أعطوا سبعة أبواق». فالختم السابع إذاً يشتمل على الأبواق السبعة . «وجاء ملاك آخر»، والملاك الآخر هو نفسه الرب يسوع المسيح «الملاك الآخر» تعبير عن المسيح ورد في سفر الرؤيا 3 مرات (8 : 3 ، 10 : 1، 18 : 1). وهناك في اللغة اليونانية كلمتان للتعبير عن "آخر"؛ الأولى تعني آخر من نفس النوع ، والثانية تعني نوع مختلف . والكلمة الأخيرة هي المستخدمة هنا . فهذا الملاك الآخر إذا يعني أنه من نوع وطاقم آخر - إنه ملاك كاهن يذكرنا بـ «ملاك العهد» (ملا3 : 1) و«ملاك حضرته» (إش63 : 9)، و«الملاك» (هو12 : 4). لكن لماذا رغم خدمته الكهنوتية لا يُرى كإنسان بل في هيئة ملائكية (قارن عب2 : 17، 5 : 1-5)؟ السبب لأنه يتشفع عن بقية من وسط شعب مرتد ناكر لمسيحه . وهذه البقية عليها أن تجتاز أولاً في ضيقة عظيمة . فالرب هنا مثل يوسف عندما كان يخدم حاجة إخوته وكأنه غريب عنهم، كأمير مصري (قارن تك 42-44) . والسبب الآخر أنهم لم يصلوا بعد إلى معرفة كاملة ولا تمتع كامل به . إنه بعيد إلى حد ما عنهم، وفي طبيعته (لا في قلبه) غريب عنهم ( مز 13 : 1).، يُري وقد وقف عند المذبح ومعه مبخرة من ذهب وأعطي بخورا كثيرا لكي يقدمه «مع صلوات القديسين». هذه الصلوات تعود بفكرنا إلى الختم الخامس حيث رأينا نفوس الذين قُتِلوا تحت المذبح وهم يصرخون إلى الله لكي ينتقم لهم ويستجيب لطلبهم . فنري الرب يأخذ هذه الصلوات ويضع عليها من كمالاته الشخصية واستحقاقاته هو، له المجد، «البخور» -ويقدمها مع صلوات القديسين «فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين»- كمالاته هو مع صلوات شعبه!
«ثم أخذ الملاك المبخرة وملأها من نار المذبح وألقاها إلى الأرض فحدثت أصوات ورعود وبروق وزلزلة» (قارن مع 4 :5). لقد رفعت الصلوات فنزلت الضربات! لقد صعد البخور إلى السماء * ** يجب أن نلاحظ أن هذا الفصل يشير إلى مذبحين؛ من مذبح الذهب أو البخور تصاعدت الصلوات إلى السماء، ومن مذبح النحاس أو المحرقة ألقيت النار إلى الأرض!* فألقيت النار على الأرض! هنا نجد استجابة الله الفورية لصلوات القديسين. وما أرهب الاستجابة!! إنها الخلفية التي منها ستظهر الضيقة العظيمة (الأبواق الأربعة الأولى ) ثم الضيقة العظيمة نفسها (الأبواق الثلاثة الأخيرة).
إننا من الناحية الواحدة نرى هنا أن الضيقة العظيمة ستحدث على الأرض كاستجابة لصلوات هؤلاء القديسين الشهداء، ومن الناحية الأخرى نجد أن أيام تلك الضيقة ستقصر بسبب القديسين الأحياء والشهود في ذلك الزمان (مت24 :22). فما أعظم تقدير الله للمؤمنين!!
وهذه الأبواق يمكن أن نجد لها تطبيقاً ثلاثياً :
1- إنها تذكرنا بأبواق أخري عددها أيضاً سبعة، لما دار الكهنة حاملو الأبواق أيام يشوع بن نون حول المدينة أريحا (التي ترمز للعالم) سبعة أيام، فسقطت أسوار المدينة. وكان ذلك في دخول الشعب إلى الأرض وراحتهم فيها. لكن يشوع لم يستطع أن يريحهم (عب4 :8)، أما ربنا يسوع المسيح فسيريحهم. وسنري الآن كيف أن أسوار هذا العالم ستنهار وهيئته ستزول عندما يبوق البوق السابع والأخير.
2- ثم إنها تذكرنا بالبوق الذي كان يعبر لإعلان اليوبيل (لا25)؛ الذي هو صورة لأزمنة رد كل شئ. وهكذا سيُسمع هنا مع البوق السابع والأخير القول «صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه»
3- ثم إنها أبواق إنذار لمن يستمع (عا3 :6). وقد أسمعت لو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي ! لذا فبكل أسف لن يستفيد أحد من هذا الإنذار (9 :20، 21).
وتتكرر كلمة الثلث في هذه الضربات 12 مرة (الرقم 12 هو رقم حكم الله وسلطانه على الأرض) وذلك لأن الأبواق مرتبطة بثلث الامبراطورية، والرقم 3 يحدثنا أيضاً عن القيامة. فستتركز هذه الضربات على الإمبراطورية الرومانية العائدة إلى الحياة، وهو ما نعرفه اليوم بالتحالف الأوربي .
لكن لماذا ينفرد التحالف الأوربي بالذات بضربات خاصة؟ الإجابة لأن في هذا القسم بصفة خاصة انتشرت المسيحية وسطع النور. وهم أيضاً بصفة خاصة احتقروا ذلك النور كل الاحتقار. لذلك سوف يضربون ضربات أشد (لو12 :48).
والآن إلى الأبواق السبعة :
يحدثنا الأصحاح الثامن عن أربعة من هذه الأبواق، وأصحاح 9 عن بوقين، ثم في أصحاح 11 نجد البوق السابع والأخير. وأبواق الأصحاح الثامن في كلمة هي :
البوق الأول :ضياع الرخاء.
البوق الثاني :هياج الشعوب.
البوق الثالث :سقوط ديني .
البوق الرابع :سقوط سياسي .
والآن إلى شئ من التفصيلات :
البوق الأول : " احترق ثلث الأشجار واحترق كل عشب أخضر»، والأشجار في الكتاب صورة للإنسان في عظمته وكبريائه (إش2 :12، 13، مز37 :35، حز31، دا4 :20-26)، والعشب الأخضر رمز لمجد الإنسان وأيضاً لرخائه (1بط1 :24، جا5 :9). هذه الأشجار التي صمدت أمام العواصف السابقة، تري هل تصمد أمام النار؟! وستأكل النار أيضاً العشب الأخضر، وقد يكون العشب صورة للشباب الغض؛ وهذا أيضاً مصيره النار!
البوق الثاني :ثورات شعبيية عظيمة يرمز إلى هذه الثورات بالقول «كأن جبلاً عظيماً متقداً بالنار» (انظر إر51 :25) ألقي إلى البحر (أي وسط الجموع الثائرة الهائجة)، فصار ثلث البحر دماً، ومات ثلث الخلائق التي في البحر (موتاً روحياً)، وأهلك ثلث السفن (إشارة إلى انقطاع المواصلات والتجارة نتيجة للثورات والاضطرابات)».
البوق الثالث :بروز النبي الكذاب «سقط من السماء كوكب عظيم... ووقع على ثلث الأنهار وعلي ينابيع المياه. واسم الكوكب يدعي الأفسنتين». نحن نعرف أنه في فترة مبتدأ الأوجاع سيقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين. لكن قرب نهاية النصف الأول لهذا الأسبوع سيتركز الضلال بعد شيوعه في شخصية معينة سبق الكتاب المقدس وأنبأنا عنها في تثنية 29 :18 «لئلا يكون فيكم أصل يثمر علقماً وأفسنتينا». إشارة إلى النبي الكذاب الذي سيبرز من وسط الارتداد العلني . وسيسقط من السماء (أي من وسط النظام الديني ) ويقع على الأنهار وينابيع المياه (مصادر التأثيرات الأدبية لتوجيه أفكار الناس، وأيضاً مصادر الإنعاش) أي على وسائل الإعلام فيسممها ومصادر الإنعاش فيجعلها مرة. وبينما المسيح؛ الشجرة المقطوعة تنزل في المياه المُرّة لتجعلها عذبة (خر15 :23-25)، فإن ضد المسيح هذا عندما يسقط على الأنهار يجعلها مُرّة!
البوق الرابع :جرح السيف المميت لامبراطور روما. ولقد رأينا في الختم الأول ظهور شخصية إيطالية ستملأ المشهد، وهنا نقرأ عن سقوطها. فبعد الثورات الشعوبية التي ستعم أوربا لا يصبح هناك حكومات بالمعنى المعروف. وهذا هو ما عبر عنه في رؤيا 17 بجرح السيف المميت في الرأس السابع.
ويمكن اعتبار البوق الثالث هو التمهيد لظهور النبي الكذاب، كما أن البوق الرابع هو الخلفية التي منها سيبرز الوحش. وهذه الأبواق الأربعة هي تمهيد لحوادث أفظع ستقع، لذا نجد الصوت «ويل ويل ويل.
ويل ثلاثي : بسبب غضب الإنسان وغضب الشيطان وغضب الله. للساكنين على الأرض من أجل بقية أصوات أبواق الملائكة المزمعين أن يبوقوا». وسر هذا التمييز أمران :
أولاً :أن هذه الويلات الثلاثة الأخيرة ستقع على الناس أنفسهم، لا على المناخ الذي يعيشون فيه.
ثانياً :أنها ستقع على ساكني الأرض بعد أن يكون الشيطان قد نزل إليهم وبه غضب (هذه الويلات المثلثة تذكرنا بما ورد في رؤيا 12 : 12 بصدد طرح الشيطان إلى الأرض. ولهذا فإننا بهذه الويلات الثلاثة ندخل فعلا إلى الضيقة العظيمة.) عظيم، وسوف يركز شروره في شخصيتين هما الوحش والنبي الكذاب، كما سنري في المحاضرة الرابعة.
أصحاح9
يحدثنا عن البوقين الخامس والسادس كالآتي :
البوق الخامس - أو الويل الأول :أعوان النبي الكذاب
«كوكب كان قد سقط من السماء إلى الأرض» - هو ذاك الذي رأيناه في البوق الثالث «وأعطي مفتاح بئر الهاوية ففتح بئر الهاوية فصعد دخان... عظيم فأظلمت الشمس والجو». فهنا سيأخذ هذا الشخص صفته كالنبي الكذاب وسرعان ما يبث تعاليم فاسدة تسمم الجو وتفسده وتظلمه. ومن وسط هذه الظلمة الروحية يخرج جراد على الأرض، ويتميز الجراد بكثرته، وهكذا سيكون أتباع ذلك النبي الكذاب كالجراد في الكثرة (قض6 :5). وجيوش الجراد إذا أتت على أشجار شارقة ناضرة في حقل كبير، يكفيها خمس عشرة دقيقة فقط حتى تجعلها جرداء تماماً بدون ورقة واحدة للتنفس، وهكذا جيوش النبي الكذاب لن يتركوا فضيلة واحدة في البشر، ولا مجالاً واحداً للتنفيس عن النفس. «وقيل (للجراد) أن لا يضر عشب الأرض ولا شيئاً أخضر ولا شجرة ما إلا الناس فقط الذين ليس لهم ختم الله على جباههم» فهم ليسوا جراداً انظر الملحق "تساؤلات خارج المحاضرات"، السؤال رقم9 حرفياً يتغذى على النبات بل على البشر. وهؤلاء الأتباع يشبّهون أيضاً بالعقارب لأن العقارب غالباً لا تقتل من تلدغه بل تعذبه عذاباً يكون الموت أهون منه. هكذا هنا سيتمنى الناس الموت ليرحموا من الضياع وعذاب الضمير، لكنهم لن ينالوه ربما يتمنون موت الارتداد، أي إبعاد الله تماماً عن فكرهم فلا يستطيعون، مما سيسبب لهم عذاباً نفسياً كبيراً وانفصاماً في الشخصية؛ ففي داخلهم أصوات تنادي بحق الله ودينونته! (قارن إر8 :3، أي 3 :21)، بل سيعذبون خمسة أشهر (أي لفترة زمنية تعبر عن طاقة البشر وأيضاً المسئولية؛ وهذه دلالة الرقم 5).
سيكون للنبي الكذاب في فترة الضيقة العظيمة أعوان ورسل، جراد متعقرب، يبثون سمومهم في كل الأماكن. وبالأسف سينجحون في تحويل كل العالم إلى عبادة الوحش والنبي الكذاب كقول المسيح «أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني إن أتي آخر باسم نفسه فذلك تقبلونه» (يو5 :43).
ثم يرد بعد ذلك وصف رسل الضلال هؤلاء فيقول إنهم جيش يتقدم بسرعة لا تقهر «شبه خيل مهيأة للحرب». ولهم الصورة الملكية «على رؤوسها كأكاليل شبه الذهب» عن هذا الأمر يقول دانيال «من يعرفه (أي يعرف النبي الكذاب أو بعبارة أخرى أعوانه) يزيده مجداً (أي يعطيهم مناصب ومراكز) ويسلطهم على كثيرين (كملوك) ويقسم الأرض أجرة (مكافأة على ولائهم له)» (دا11 :39). لكن سلطانهم وملكهم ليس إلا زيفاً ووهما لأنهم يتبعون المسيح الكذاب. لاحظ التشبيه المزدوج «كأكاليل شبه الذهب يذكر دانيال أنه بعد المجد الوقتي الذي سيعطيه النبي الكذاب لأتباعه، سيكون مصير هؤلاء «العار للازدراء الأبدي » (دا12 : 2)! يا له من مجد كاذب خادع يعطيه الشيطان لأتباعه! ويالمأساة من يتبعونه؛ مجد وقتي ، وعار أبدي !».
ويؤكد أنهم بشر «وجوهها كوجوه الناس» وفي الترجمة الانجليزية يقول وجوهها كوجوه الرجال، أي لهم مظهر التسلط، لكنهم في حقيقتهم خاضعون وتابعون لرئيسهم النبي الكذاب. وهذا الخضوع يشار إليه بالقول «كان لها شعر كشعر النساء وجوه الرجال وشعر النساء!! ألا تقابلنا هذه الصورة البشعة كثيراً! إنها نفس صورة أعوان النبي الكذاب. »، فالشعر للمرأة علامة الخضوع لسلطان أعلى منها (قارن 1كو11 :15). ولا عجب فرئيسهم وقائدهم هو ملك، لكنه خاضع للرئيس الروماني (رؤ13 :12-17)، وهو إله، لكنه «يكرم إله الحصون» (دا11 :36-38).
ثم يتحدث عن وحشيتهم وإمساكهم صيدهم بقوة فيقول «وأسنانها كأسنان الأسود». ثم عن قسوة ضمائرهم وتبلدها يقول «ولها دروع كدروع من حديد». ثم عن اليأس الذي سيصيب من يقع تحت تأثيرهم فيقول «وصوت أجنحتها كصوت مركبات خيل كثيرة تجري إلى قتال» فلا أمل للنجاة منهم.
أما ملكهم فهو ملاك الهاوية، واسمه بالعبرانية أبدون وباليونانية أبوليون، وكلا الاسمين يعني المهلك. فالذين رفضوا "يسوع" المخلص، لن يبقي أمامهم سوي قبول المهلك، ذاك الذي مجيئه بعمل الشيطان. والذين رفضوا الذي «جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك»، وقالوا له «امض من تخومنا» سيكونون أسوأ حالاً من الخنازير التي أغرقت في بحيرة طبرية (مر5)، إذ سيطرحون في بحيرة النار!
ولقد أعطي اسم ذلك الملاك أولاً بالعبرانية ثم باليونانية، لأنه في المقام الأول مرتبط باليهود (دا11 :36، 37)، فهو منهم وهو ملكهم، وسيذيقهم عذاب العقارب - لكن تأثيره أيضاً سيمتد ليشمل المسيحية الاسمية (2تس2). فالاسم الأول يشير إلى ما سيفعله في اليهود المرتدين، بينما الاسم الثاني يشير إلى ما سيفعله في المسيحيين المرتدين هذا النبي الكذاب حسبما ورد عنه في دانيال 11 : 36- 39 لا يبالي بآلهة آبائه (في علاقته باليهود؛ الذين لهم إله الآباء)، ولا بشهوة النساء (أي المسيح؛ الذي كانت كل نساء اليهود يتمنون أن يولد منهن)، وذلك في علاقته بالمسيحيين. وهو بحسب 1يوحنا2 : 22،23 ينكر أن يسوع هو المسيح (هذا هو موقف اليهود غير المؤمنين)، كما ينكر الآب والابن (وهو موقف المسيحيين المرتدين). .
البوق السادس أو الويل الثاني :
إن كان الويل الأول يهودياً أكثر في طابعه، فإن هذا الويل موجه أساساً إلى الغرب المسيحي المرتد. لهذا نجد إشارة من جديد إلى الثلث. وهناك ارتباط بين هذا البوق والبوق الخامس، يمكن تلخيصه في قول الملاك جبرائيل لدانيال «وعلي جناح الأرجاس مخرِّب» (دا9 :27). فالأرجاس هي العبادة الأصنامية التي سينشئها النبي الكذاب في هيكل الله، وسوف يحميه في ذلك الزعيم الغربي ، أي الوحش. ولأنه سيحمي هذه الديانة الأصنامية بموجب معاهدات يبرمها فإنه يسمي «جناح الأرجاس» -ما أبعد الفارق بين جناح الأرجاس وبين جناحي الدجاجة الحانية اللذين كان بهما يريد ربنا يسوع أن يحمي هذا الشعب من الخطر الذي كان محدقاً بهم، من النسر (إمبراطور روما). لكنهم إذ لم يعرفوا ما هو لسلامهم أتت عليهم سنة 70 م أبشع مجزرة عرفها التاريخ. وأمامهم أيضاً جناح الأرجاس الذي سيلجأ ولاة هذا الشعب قريبا للاحتماء به ليحميهم من ملك الشمال (إش28) لكن ملك الشمال سيدوسهم وسيرسل الله المخرب ليخرب حاميهم، كما نري في هذا البوق.
فإن صوتاً مشتركاً سيصدر من أربعة قرون مذبح الذهب، الذي هو نفسه مذبح البخور. ونحن نعلم أنه في هذه الفترة سيتوقف تقديم البخور والمحرقات في الهيكل لأن كل العبادة ستكون موجهة إلى النبي الكذاب وإلى صورة الوحش الموجودة في الهيكل؛ إذ سيبطل الوحش (أي امبراطور روما) الذبيحة والتقدمة (دا9 :27)، تلك الذبيحة التي يؤخذ من دمها ويرشونه على أربعة قرون مذبح الذهب (خر30 :10)، وإذ لا يوجد دم مرشوش على قرون المذبح سيخرج صوت من هذه القرون ينادي بالانتقام، ليفك الأربعة الملائكة المقيدين في أصحاح7 نقرأ عن أربعة ملائكة أطهار يحجزون توقيع الغضب حتى يتم ختم الأبرار لحفظهم، وهنا نقرأ عن أربعة ملائكة أشرار يحلون بغرض توقيع القضاء على الأشرار لإهلاكهم. عند النهر العظيم الفرات ( نهر الفرات هو الحدود الطبيعة للامبراطورية الرومانية في الشرق قديماً من جهة، كما أنه الحدود الشرقية لأرض الموعد (تك 15 : 18) من الجهة الأخرى.) ويري البعض أن فك الملائكة المقيدين عند نهر الفرات (البوق السادس) وكذا تنشيف النهر (الذي هو رمز السلام) في الجام السادس يعني الأمر بترحيل قوات حفظ السلام الدولية التي ستكون مرابطة في منطقة الخليج الساخنة. ويكون ترحيلها، كما حدث في الحرب مع اسرائيل عام 1967، إيذاناً ببداية الحرب، إذ تنساب جيوش جرارة من الشرق إلى إسرائيل، لكنها توجه نشاطها إلى جيوش التحالف الأوربي ، أي جيوش الوحش. وإذ ذاك ستنساب جيوش جرارة إلى إسرائيل لكنها ستوجه نشاطها التخريبي إلى جيوش الامبراطورية الغربية التي ستكون وقتها هناك لتحمي العبادة الوثنية. ولذلك نقرأ في هذا البوق عن الثلث «يقتلوا ثلث الناس».
وعدد هذا الجيش الذي سيأتي من الشرق خطير جداً «مئتا ألف ألف». وهذا العدد الهائل مزود بأسلحة الكترونية معقدة، بالإضافة إلى أسلحة ذرية ونووية، توصف في الرؤيا بالقول «لهم دروع نارية وأسمانجونية وكبريتية. ورؤوس الخيل كرؤوس الأسود ومن أفواهها تخرج نار ودخان وكبريت، ومن هذه الثلاثة قتل ثلث الناس من النار والدخان والكبريت الخارجة من أفواهها».
آه ما أرهب ما ينتظر أولئك الذين احتقروا الحجر الكريم، ابن الله الحي ، وظنوا أنهم في أمان إذا احتموا بالإنسان. سيكتشفون لكن بعد فوات الأوان «أن الفراش قد قصر عن التمدد، والغطاء ضاق عن الالتحاف، عندما يقوم الرب يسخط ليفعل فعله، فعله الغريب» (إش 28 :14-22).
في الضربة السابقة (البوق الخامس) رأينا العقارب المؤذية أما هنا فنري الحيات القاتلة. في الضربة السابقة رأينا الشيطان باعتباره الكذاب، ملك جيوش النبي الكذاب، أما في هذه الضربة فنراه باعتباره القتال للناس من البدء «وأما بقية الناس الذين لم يقتلوا بهذه الضربات فلم يتوبوا عن أعمال أيديهم حتى لا يسجدوا للشياطين وأصنام الذهب والفضة والنحاس والحجر والخشب التي لا تستطيع أن تبصر ولا تسمع ولا تمشي ، ولا تابوا عن قتلهم ولا عن سحرهم ولا عن زناهم ولا عن سرقتهم».
«لم يتوبوا»! نعم فلن يبقي للتوبة مكان في قلوبهم لأنه «جاء العريس والمستعدات دخلن معه إلى العرس، وأغلق الباب» (مت 25 :10).
«يسجدوا للشياطين»! ألم نسمع فعلاً عن عبادة الشيطان، ليس فقط في الغرب المستبيح المرتد، بل حتى في بلادنا المحافظة بطبيعتها. لقد أعلن رئيس كهنة كنيسة الشيطان في سان فرانسسكو بأمريكا "أنطون لافاي " أن عصر الشيطان قد بدأ في عام 1966. ولعلنا كلنا سمعنا كيف تقترن بهذا السجود للشياطين طقوس دينية مريبة وأفعال فاضحة دنسة، يلخصها هذا الرباعي الشرير :قتل وعقاقير وزني وسرقة!
«ولاتابوا عن قتلهم» :وها نحن نري الارتفاع الرهيب لمعدلات القتل. وبالإضافة إلى سبب القتل الرئيسي وهو الكراهية والبغضة، هناك أيضاً القتل المرتبط بالمخدرات أو بالزنى أو بالسرقة!
«ولا عن سحرهم» :والكلمة في الأصل اليوناني هي pharmakia والتي منها جاءت الكلمة الإنجليزية pharmacy أي عقاقير. والمقصود هو استخدام العقاقير المنتشرة الآن في كل محافل السجود للشياطين وما على شاكلتها.
«ولا عن زناهم» :وبالإضافة إلى صور الزنى التقليدية وانتشارها الرهيب نظراً لضياع القيم والأخلاق، فهناك أعداد هائلة في الغرب من الرجال والنساء يعيشون معاً خارج رباط الزوجية المقدس، وبعضهم ينجب الأولاد.
«ولا عن سرقتهم» :سواء تلك المنسوبة إلى الفقراء أو إلى المليونيرات؛ سواء السرقات التقليدية أو الاختلاسات والهروب من البلاد بالثروات.
* * * *
بعد هذا يقطع الرب هذا المشهد القاتم بمشهد آخر حلو فيه تظهر أمانة الرب نحو الأمناء على الأرض. وها قوس القزح يظهر من جديد فاصلاً بين الويل الثاني والثالث، معلناً أن الرب لا زال مهتماً بهذه البقية الأمينة على الأرض، كما ولازال متمسكاً بحقه في الأرض. وفي هذا المشهد نجد الملاك الآخر، الذي قرأنا عنه في أصحاح 8، ينزل ويضع رجله اليمني على البحر واليسرى على الأرض. ووضع الرجل هو تعبير عن الامتلاك (كما نفهم من يشوع 1 :3). ووصف الرب المذكور في هذا المشهد ينطبق على وصفه عند ظهوره.
ويرتبط مع هذا الظهور للرب الصراخ بصوت عظيم. وبعدما صرخ تكلمت الرعود السبعة بأصواتها. لكن الرائي وهو مزمع أن يكتب ما تكلمت به الرعود أُمِر ألا يكتب. مما يدل على أن هناك بلايا ومصائب سوف تحدث في العالم لم تُذكر في هذا السفر. فحتى في الدينونة «النصف لم نخبر به»، على حد تعبير ملكة سبا لسليمان (1مل 10 :7).
وكان مع الرب سفر صغير؛ هو سفر نبوات العهد القديم. وسمي سفراً صغيراً لأن ما يحتويه من نبوات مشهدها الأرض ومدتها الزمان (فلا السماويات ولا الأبدية تدخل في نطاقها). وأقسم بالحي إلى أبد الآبدين أن لا يكون زمان ليس أن الزمان سينتهي ، لأنه بعد مجيء المسيح إلى الأرض سيظل هناك ألف سنة. بل إن أناة الله قد انتهت. بعد. بمعنى لا يكون تباطؤ ولا تأن أو إمهال بعد. كما قال الرب في متى 24 إنه «لو لم تُقصَّر تلك الأيام»، فكأن تخطيط الرب أن هذه الأيام لا تطول بل يقصرها، لذا يقول «بل في أيام صوت الملاك السابع متى أزمع أن يبوق يتم أيضاً سر الله كما بشر عبيده الأنبياء» -أي يتم سر الله في احتمال الشر والأشرار؛ هذا السر الذي أعلنه الله هناك في الجنة عن الصراع بين الخير والشر، متمثلاً في الصراع بين نسل المرأة ورأس الحية. لكن قريباً جداً، كما أقسم الرب هنا «أن لا يكون تباطؤ بعد»، سينهي الرب صبره على الشر. لَكَمْ تعثر الكثيرون واحتار حتى المؤمنين بسبب طول احتمال الرب للشر (أي 21 :6- 15، مز 73، إر12 :1، 2،.. إلخ) لكن هنا يقول الرب «لا تباطؤ بعد»
ويوحنا أكل هذا السفر الصغير الذي كان مع الملاك كما أمره. فصار جوفه مراً رغم أنه كان في فمه حلواً. وهكذا بالنسبة لنا إذ بينما نتأمل فيما سيتم عن قريب نفرح لأن سيدنا سيتمجد وسنتمجد نحن معه، لكننا نحزن ونبكي على أولئك الرافضين الذين لا يعرفون ماذا ينتظرهم نتيجة رفضهم المسيح بإرادتهم.
* * * *
وفي أصحاح 11 نجد الرب مشغولاً بالبقية الأمينة من شعبه الأرضي . لأنه بدخول ملء الأمم تكون القساوة الجزئية لإسرائيل قد انتهت. وهنا الرب يعود من جديد للتعامل مع شعبه. والجو في هذا الأصحاح كله يهودي ، الأمر الذي نستدله من التمييز بين اليهود والأمم، ومن الإشارة إلى مدينة أورشليم (ع2، 8)، والهيكل لما كتب يوحنا سفر الرؤيا (بعد سنة90 م) كان الهيكل في أورشليم قد دُمِر. فهو إذا يقصد الهيكل الذي سيُبني في أورشليم، على الأرجح، بعد الاختطاف. والدار الخارجية والمذبح، وكذا من الانتقام من الأعداء (ع5،6،10). ويوحنا يعطى قصبة شبه عصا - والقصبة تستخدم للقياس صورة للحفظ والامتلاك، كما أن العصا رمز للقوة يمكن أيضاً القول إن الرب بعد الاختطاف سيعود للاعتراف بشعبه (قصبة القياس)، لكن هذا الاعتراف ليس للبركة بعد، بل للتأديب أولا، وهذا هو مدلول العصا. . فبقوة الله ويده المخفية عن الناس ستحفظ البقية. لذا يُسمع القول «قس هيكل الله والمذبح والساجدين فيه» إشارة للأمناء المؤمنين من الشعب القديم. فكما أننا في المشهد المتوسط بين الختم السادس والسابع رأينا ختم الأمناء على جباههم، نري هنا بين البوق السادس والسابع قياس الهيكل والمذبح والساجدين. والختم والقياس كلاهما يفيد الملكية «يعلم الرب الذين هم له». «أما الدار التي خارج الهيكل (إشارة لمجرد المعترفين فقط - وهم الأكثرية من اليهود الذين سيتبعون النبي الكذاب) فاطرحها خارجاً ولا تقسها».
وفي هذه الأيام سيقيم الرب شهادة له من عدد كبير من الشهود الأمناء مرموزاً لها هنا بالشاهدين (والرقم 2 هو رقم الشهادة -يو8 :17، 2كو13 :1، ... إلخ). وطابع اضطهاد الأمناء الذي ميز كل فترة أزمنة الأمم من بدايتها (قارن دا2، 3، 6)، سيبلغ هنا ذروته. ومع قدر إحساس الشاهدين بالاضطهاد من الأشرار فإنهم سيحسون أكثر بانحراف الأمة وشرها، الأمر الذي يستلزم التوبة ستكون شهادة الشاهدين في المدينة المقدسة، أي أورشليم. لكن التي تدعى روحياً سدوم ومصر - في سدوم نرى الفساد من الداخل، وفي مصر القسوة من الخارج. في سدوم النجاسة وفي مصر الوثنية. سدوم تعطي صورة للجسد في إباحيته، ومصر تعطي صورة للعالم في اضطهاده لشعب الله.
ولهذا فإنهما في مواجهة الغرور الإسرائيلي والزهو والعجب سيلبسان المسوح، داعين الأمة إلى التوبة. ولا شئ آخر بديلاً عن التوبة يطلبه الله سواء من الفرد الخاطئ أو من الأمة الخاطئة. وعلي الرغم من ظروف الشهادة الصعبة في تلك الأيام، لابد للشاهدين أن يتمما شهادتهما. ثم يكون آخر عمل شرير للوحش اسم " الوحش " يرد في سفر الرؤيا 36 مرة (6×6). هنا ترد المرة الأولى . وعندما يقول عن الوحش إنه صاعد من الهاوية فللإشارة إلى مصدره الشيطاني الجهنمي . الصاعد من الهاوية أن يصنع معهما حرباً. لكن ستتضح مصداقية قول الرب للأمناء في تلك الفترة «لأن من يمسكم يمس حدقة عينه» (زك2 :8). ولهذا فإن الرب بعد هذه الجريمة من الوحش سيلقيه حياً في بحيرة النار كما سنرى . ومع أن الوحش سيغلبهما ويقتلهما، وتكون جثتاهما (معلقتين) على شارع المدينة العظيمة التي تدعى روحياً سدوم ومصر حيث صُلب ربهم أيضاً أعتقد أن الإشارة «حيث صلب ربهم أيضاً» تربط بين ما فعله الأشرار بالمسيح في يومه، وما سيفعلونه بالشاهدين في يومهما. فما لم يقدروا أن يفعلوه بالمسيح سيفعلونه بهذين الشاهدين. فهم لم يقدروا أن يبقوا جسد المسيح معلقاً على الصليب، حرصاً على المشاعر الدينية لليهود المجتمعين في المدينة المقدسة من كل أرجاء العالم «لأن يوم ذلك السبت كان عظيماً» (يو19 : 31)، لكنهم سيفعلون ذلك مع الشاهدين. أما مشاهدة الشعوب والقبائل والألسنة والأمم لهما فربما يتم بواسطة شبكة الإنترنت. والرب سيجعل غضب الإنسان يحمده، إذ بذلك سوف يشاهد قيامتهما كثيرون، كما سيشاهدون صعودهما إلى السماء حيين.، ويفرح هذه هي المرة الوحيدة التي ترد فيها كلمة تعبر عن الفرح طوال هذه السنين العصيبة، لكن إلى كم من الزمن سيستمر فرحهم هذا؟ إن الثلاثة الأيام والنصف ستمضي سريعاً؛ كحلم، وعند التيقظ سيحتقر الرب خيالهم. نعم «أما علمت هذا منذ القديم؛ منذ وضع الإنسان على الأرض، أن هتاف الأشرار من قريب وفرح الفاجر إلى لحظة» (أي 20 : ). الناس ويشمتون فيهما، ويرسلون هدايا بعضهم لبعض , نتذكر أنه يوم صلب المسيح صار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما، لأنهما كانا من قبل في عداوة (لو23 : 12). والمشابهات بين هذين الشاهدين والمسيح كثيرة فمدة خدمتهم كانت ثلاث سنين ونصف، ولم يقدر أحد أن يمسهم بسوء قبل إتمام خدمتهم ومجيء ساعتهم، وبعدها قتلوا، وسيصلب الشاهدان «حيث صلب ربهم أيضاً». وتصاحب قيامتهم زلزلة. لكن هناك أيضاً مفارقات بين الشاهدين وبين المسيح : فمع أنهما الزيتونتان إلا أنه هو المسيح الذي ليس بكيل يعطيه الله الروح القدس. هما سيلبسان المسوح لأن طابع خدمتهما هو التوبة، أما هو فكانت خدمته خدمة النعمة والفرح. معجزاتهما ستكون معجزات قضاء أما هو فمعجزاته كانت كلها معجزات نعمة. لما مات المسيح فإنه دفن مع غني عند موته، أما الشاهدان فلن يدعوا جثتيهما توضعان في القبور. وأخيراً فإن المسيح في قيامته وفي صعوده لم يُشاهَد من العالم، بل من خاصته فقط، أما الشاهدان فستكون قيامتهما منظورة من الجميع وكذلك صعودهما إلى السماء علنياً. ، لكن فرحهم لن يدوم سوي ثلاثة أيام ونصف. وبعدها يقومان قيامة منظورة من الجميع، وذلك في تتمة القيامة الأولى كما هو مذكور في رؤيا 20.
ثم يأتي البوق السابع أو الويل الثالث :
كان الويل الأول شيطانياً موجهاً لليهود، والثاني بشرياً موجهاً للامبراطورية الرومانية، أما هذا الويل فإلهي موجه إلى أمم العالم جميعاً. وفي هذا البوق نصل إلى النهاية، إذ أتي صوت «مملكة العالم التي لربنا ومسيحه ليست «ممالك العالم» كما في ترجمتنا العربية الشائعة، بل المملكة العالمية؛ امبراطورية ابن الإنسان التي تغطي كل العالم، والتي سبق أن رآها نبوخذنصر في حلمه (دا2 : 44)، ودانيال في رؤياه (دا7 : 7،22،27) قارن مع مزمور 2 : 6-9. قد جاءت (أو بدأت)».
ألم يقل هو لا يكون تباطؤ بعد؟! هذا الصوت حرك الشيوخ في السماء الذين كانوا جالسين على العروش فخروا على وجوههم وسجدوا للّه لأنه أخذ قدرته العظيمة وملك.. لكن ماذا كان رد فعل الأرض لأخذه الملك؟ «فغضبت الأمم»، مرة أخرى نجد هنا أن الأمم ارتجت وأن الشعوب تفكروا بالباطل. «ولكن لا يكون الآخر كالأول» -ففي مجيء الرب الأول عندما ارتجت الشعوب وتهيج الأشرار عليه فإنه لم يفتح فاه، بل سلم لمن يقضي بعدل، أما في هذه المرة فنقرأ «فأتي غضبك وزمان الأموات لكي يدانوا». ثم يذكر لنا فريقين من البشر بالارتباط بالملك؛ فريقاً سيجازي بالمشاركة في الملك وفريقاً آخر بالهلاك. وعندما يقول «زمان الأموات ربما تعني دينونة كل أشرار الأرض على مختلف مراحلها باعتبار أنهم جميعا أموات روحياً. لكي يدانوا» فإنه يأخذ فكرنا إلى ما بعد الموت؛ إلى دينونة الأموات أمام العرش العظيم الأبيض. وبهذا نصل إلى نهاية الزمان، إلى ما بعد الألف سنة حيث ستحترق الأرض والمصنوعات التي فيها، ليصنع الله بعدها كل شئ جديداً :نعم فالأبواق السبعة - كما سبق وذكرنا - لا تنتهي إلا بانهيار هذا العالم وزوال هيئته من الوجود.
يعود الرائي بعد ذلك ليذكر ما يتضمنه هذا السفر الصغير الذي عندما أكله يوحنا جعل فمه حلواً وجوفه مراً. وهذا ما سنتأمله في المحاضرة القادمة. لكن ما أمجد أن نتذكر أننا في أثناء كل ما سيقع على العالم من حوادث أليمة سنكون على العروش جالسين أمام الله، الذي يستحق كل المجد والسجود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق