«العنصر البشري»
لقد استخدم الله العنصر البشري في الكتاب المقدس. فالله استخدم لغة البشر لكي يخاطبنا بها، كما استخدم أيضاً عقول كتبة الوحي وأذهانهم وذاكرتهم وعلمهم واختباراتهم ومشاعرهم والظروف المحيطة بهم. ومن هذا الامتزاج بين العنصرين الإلهي والبشري معاً تكونت كلمة الله كما يقول داود « روح الرب تكلم بي وكلمته علي لساني » (2صم23: 2). لقد سيطر الله علي العنصر البشري للكاتب مما سمح بظهور الطابع الشخصي لا الخطأ الشخصي.
هذا الأمر نجده واضحاً في فاتحة إنجيل لوقا. فلوقا جمع الوثائق المعتمـدة من شهود العيان وتحقق بنفسه من صحتها، وكان هذا هو العنصر البشرى في المؤرخ المدقق. لكنه عندما قام بالكتابة فإنه لم يكتب من ذاته دون أن يستلم الروح القدس كيانه بأسلوب فائق كيما يختار الحقائق التي يذكرها وتلك التي لا يذكرها، ولكي يرتبها في نسق معين كيما يخرج منها باستدلالاته واستنتاجاته.
يمكننا تشبيه هذا الامتزاج بين العنصرين الإلهي والبشري بالفنان الذي يعزف علي عدة آلات موسيقية فنسمع أصواتاً مختلفة ولو أن العازف واحد، ومع عظمة العازف فإنه سيتحرك في حدود قدرات الآلة التي بين يديه. هكذا فإن الله الذي كوّن الإنسان وشكّل ظروف بيئته، جهز أيضاً كل واحد من كتبة الوحي، أفـرزه من بطن أمه ودعـاه بنعمته (غل1: 15) ليعزف بواسطته مقطوعته الرائعة. وإني أتساءل: هل كان ممكناً لشخص آخر غير سليمان أن يكتب لنا عن خواء العالم وبطله كما فعل هو في سفر الجامعة؟ إنه لم يكن ناقماً علي العالم إذ لم يُحرَم من شيء مما تحت الشمس، بل تمتع بلذائذ الحياة كلها دون أن يفقد الحكمة؛ وأخيراً سجل لنا اختباره « باطل الأباطيل الكل باطل »، لكن كتابته كانت بالوحي. ومن مثل بولس كان يمكنه أن يكتب لنا عن عدم امتلاك البر الإلهي بالأعمـال الناموسية؟ فمن مِن البشر كان لـه من الامتيازات نظيره حتى قال « إن ظن واحد آخر أن يتكل علي الجسد فأنا بالأولىَ» (في3: 4)، لكنه اعتبر هذا كله من أجل المسيح خسارة!! لكن ما كتبه أيضاً كـان بالوحي. وأنت إذ تقرأ كتابات لوقا تشعر إزاء اللمحات الطبية فيها* أن كاتبها طبيب؛ وهذا لا يتعارض مع كون الروح القدس أملاه ما كتب.
مشكلة واعتراض
هذه المشكلة هى كيف نسمي الكتاب المقدس «كلمة الله» رغم أنه يحتوي علي أقوال الشيطان وأقوال الأشرار، أو علي الأقل أقوال بعض القديسين الخاطئة في لحظات فشلهم وضعفهم (انظر جا2: 24)؟ والإجابة البسيطة علي ذلك هي أن الأمر بتسجيل هذه الأقوال هو الذي كان بالوحي لا الكلمات ذاتها.
في آيات مثل متى 12: 24، 26: 69،70 وتكوين3: 4 وغيرها، نحن عندنا تسجيل صحيح لأقوال خاطئة، أو بالحري التسجيل كان بالوحي، رغم أن الأقوال نفسها ليست موحى بها.
إذاً فالتعليم بالوحي الحرفي أو اللفظي لا يعلم بأن كل أقوال الوحي هي على ذات القدر من الأهمية، بل إنها كلها سجلت في الكتاب بالوحي.
ولقد أوضح بولس هذا الأمر عندما ميز آراءه الخاصة في مسائل خاصة بالزواج موضحاً بصريح العبارة أن هذا رأيه هو وحُكمه الروحي في الأمر وليس « وصايا الرب » (1كو7).
ويعترض البعض على هذه النظرية بقولهم إننا بهذه النظريـة عن الوحي اللفظيوالحرفي نؤلِّه النص، أما هم فيفضلون أن يضعـوا الرب وليس الوحي سيداً عليهم. ولقد أصاب د. لويد جونز في رده عليهم بالقـول: كيف تعرف الرب؟ ما الذي يمكنك أن تعرفه عنه خارج الكتاب المقدس؟ وكيف تتأكد أن ما تعرفه بالاختبار عنه ليس وهماً مستمدَاً من خيالك؟ أو أنه ليس من نتاج حالـة نفسية غير مستقرة؟ أو أنه ليس أحد تخاريف العبادات السرية الشيطانية التي انتشرت فى هذه الأيام؟ أولئك الذين يقولون نحن نتمسك بالرب وحده، أو الذين يقولون إننا نذهب إلى الرب مباشرة عليهم أن يجيبوا على هذه الأسئلة أولاً.
وإذا كان بوسع المرء أن يحكم على التعليم من الثمار التي تنشأ عنه؛ فما أمر ثمار إنكار الوحي الحرفي للكتاب المقدس.. فليس بمستغرب أن يتبنى كثير من لاهوتيِّ القرن العشرين الانحلال الجنسي بل والشذوذ الجنسي والطلاق، رغم تحذير الكتاب الصريح من هذه الشرور.
قديماً قال الجاهل في قلبه ليس إله، ففسدوا ورجسوا بأفعالهم (مز14: 1)، واليوم قالوا ليس وحي من عند الله وكانت نفس النتيجة من الفساد والرجاسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق